0%

الموتُ يتربع منذ طفولتنا



منذ 8 أشهر
الوقت المقدر للقراءة: 6 دقيقة

درسنا علوم التاريخ، الجغرافيا، والحقوق في مرحلتي الابتدائية والإعدادية، امتحنا العديد من المرات في خرائط العالم والحدود الفاصلة بينهم، رسمهم وحفظ مواقعهم، وتلقينا العديد من الدروس عن تاريخ الدول بدءًا من المعارك التي خاضها كل منهم إلى تقسيمة الطبقات ونظام المُلك وماهية المعارك ووقت استقلال الدول، وبلا شك درسنا في (مادة الحقوق) بدءًا من حق تعريفهِ سهل الإجابة صعب التطبيق، وأيقنت بعد خمس حروب وقعت علينا في غزة بأنه لا فائدة من تعليمنا كل تلك العلوم.

 

كان المفترض أن نُدرس نحن في غزة علومًا تليق بمواجعنا المُطلقة، التي لا تتغير مع مرور السنين، بل تزداد حِدة ونخًرا لذاكراتنا وقلوبنا في آن واحد، كان عليهم أن يضعوا خطة مغايرة عن خطط منهاج العالم كِله، لنا..، أن يُقرر علينا أن نتعلم فن التعامل مع الصدمات، الحزن، قلة الحيلة، والصبر، أن نُتقن تهدئة رَوعِنا قليلاً، أو نتدرب على تقبل طرق الموت البشعة التي تتفنن في جعل أجسادنا لوحة دموية تُعجب العالم كله مُشاهدتها كأنها لوحة عصرية نادرة، أن يعلمونا الأدب كالهجاء والرثاء، لكثرة ما ودعنا اكتشفنا بأن التعبير أيضًا يخوننا والكلمات ترفض أن تُستساغ مع بضع جُملِ أو دموع.

رُبما كان عليهم أن يُخصصوا حصصاً لنعلم كيف نواسي من فقد عائلته، ساقيه، ونفسه عوضا عن تخصيص وقتِ لتعليمنا قواعد السلامة في وقت الزلازل، كيفية حماية رأسك وصدرك بيديك تحت مقعدك الدراسي في حالِ بدء حرب وأنت خارج بيتك، لِم عشنا كل ذلك؟ لمِ في وقت يجد فيه كل طفل في العالم حقه في الاستمتاع ب(الفُسحة المدرسية) بينما نحن نستغله لنتعلم النجاة من أشكال الموت المقترحة، ظُلِمنا حينما فرض علينا تعلم بطولات دولِ أخرى وحقوقِ في دستور، مجردُ حِبر على ورق، تلاعب بنا الخوف والذعر الكثير من السنين بدءًا من نعومة أظافرنا إلى وقتنا هذا، نلنا من الهلعِ وفقدان التوازن، الحسرة ما يكفي لتقسى قلوبنا.

أو تتوقف عن النبضِ حتى، لكِننا عشنِا نرضى بالقليل، وندعو بالكثير من الوقت لنرمم خرابًا خلفته حروب على هيئة نوبات من التحليل المفرط لنصيبنا من الموت وكيف سيكون شكله في الوقت الذي يتوجب علينا الركض في طرقات الحياة مفعمين بالأمل، نجثو يلاحقنا كل شيء إلا الحياة، ورغم كل ذلك أحببنا أوطاننا، وزارنا طيفها يطلبنا حتى إذا ما بتنا بلا حيلة نُكرر "البلاد طلبت أهلها" ونقلب أرشيف الذاكرة والهاتف معًا لنتذكرَ كل يوم كان فرصة للوقوعِ في حب غزة مجددًا، لقد حاولوا أن يربوا فينا بحروبهم كُرهًا لها، أو خوفًا وعقًدا، لكنهم ما زادونا إلا خوفًا عليها وتمسكًا بها، أحبٌ، ونُحبٌ تلك البلاد حتى في خرابها الأخير


الوسوم

شارك


x